ديربي في المنفى

السلام و عليكم

غير الفوز على الوداد في الديربي المنفي والذي جعل الرجاء يتحلل من جاذبية المعاناة والمكابدة، كانت هناك نقطتا ضوء كبيرتين··

أولاهما أن يكون مدرب الرجاء برغم ما يقع عليه من ضغط رهيب، من تقديح أحيانا، مصرا على أن ينبث في حدائق الفريق أزهارا جديدة، بدء بمحسن متولي ومرورا بعبد الصمد أوحقي وأولحاج وانتهاء بهشام العمراني الذي كان معارا الموسم الماضي للكوكب··

جيل جديد، يستطيع لو إنقشعت غيوم الشك من حوله وخف ما يرمى على ظهره من ضغط، أن يقدم حاضر الرجاء بشكل جديد، الشكل الذي يتناسب مع إرثه، مع ماضيه، وأيضا مع تقاليده في تكوين النجوم بمقاسات فنية تختلف كليا عن مقاسات الأندية الأخرى·

أما ثاني نقطتي الضوء، فهي الحارس خالد فوهامي الذي قدم بالمناسبة أمام فريقه الأم الوداد، مباراة نموذجية بأداء متوازن وبتأثير قوي على منظومة اللعب·

ويقينا لو طلب من أي ناخب وطني أن يختار ممن شاهدهم ذاك الأسبوع حارسا لمرمى الفريق الوطني، لاختار بلا أدنى تردد خالد فوهامي، دونما حاجة للعودة إلى مسيرته الذاتية، إلى عمره وإلى سوابقه، وإلى كل هذه المراحل التي قطعها بصبر وبمعاناة وبنجاح أيضا في مشواره الرياضي··

رأيت كل الإحترافية في ردة فعل خالد فوهامي، عندما فضل عليه مدرب الرجاء إيف شاي الحارس الواعد للمنتخب الأولمبي أمين البورقادي·· جلس الرجل راضيا في دكة الإحتياط، لا يبدي إعتراضا ولا تبرما·· كان يعرف أن الحياة صراع موصول، ومنافسة لا تنتهي، لذلك ظل الرجل مؤمنا بقدراته، ما قال في أي لحظة أنه لا يرضى بتاريخه الكروي الطويل الجلوس في دكة البدلاء، وعندما واثته فرصته، عض عليها بالنواجد، حتى أنه مع إيماني القوي بأن أمين البورقادي حارس المستقبل فإنني لا أرى ما يمكن أن يحول بين فوهامي وبين حراسته بأمانة لمرمى الرجاء، إلا إذا حدث ما هو مقدر في علم الغيب، بل إنني ما عدت أشك في أن هنري ميشيل الناخب والمدرب الوطني وضع عينا متفحصة، ناقدة ومتأملة لأداء خالد فوهامي، الذي يعرفه حق المعرفة، فما من أحد ينسى أن خالد فوهامي كان حارس الفريق الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2000 بغانا ونيجيريا، الدورة التي خرج الفريق الوطني من دورها الأول، فقاد ذلك هنري ميشيل إلى تقديم الإستقالة إحتجاجا على ما أسماه وقتها بالذبح الإعلامي··

دورة برغم أن الأسود أقصوا من دورها الأول، فإن خالد فوهامي كان أحد أبرز نجومها وإليه عادت جائزة أحسن حارس مرمى·

ترك فوهامي مرمى الفريق الوطني لبنزكري بعد أن رأى كويليو البرتغالي أن الأخير كان في وضع نفسي، فني وتكتيكي أفضل، إلا أن خالد واصل الإصرار إلى أن عاد مجددا مع مجيء المدرب بادو الزاكي، ولو أن هناك من حمل خالد فوهامي مسؤولية ضياع اللقب الإفريقي سنة 2004 في تونس نتيجة ما إعتبر خطأ في إستقبال هدفي دوس سانطوس وزياد الجزيري، واللذين ذهبا باللقب لنسور قرطاج، إلا أن من يعود إلى المباريات التي سبقت النهائي وبخاصة مباراة الدور الربع النهائي أمام الجزائر سيعترف على الفور لخالد فوهامي بفضل كبير في تخطي الفريق الوطني لعقبة شقيقه المنتخب الجزائري، فقبل أن يأتي هدف الشماخ، وكان هدف التعادل، أنقذ فوهامي وكلنا يذكر ذلك كرة كانت في طريقها إلى المرمى، وإلى إقصائنا أيضا··

فوهامي الذي كان آخر جيل تربى في الوداد على يد الحارس الأسطوري بادو الزاكي، يمثل لذوي الإختصاص حارسا نموذجيا، طوله الفارع يجعل منه حارسا بمقاييس فنية مختلفة، إلا أن ما راكمه عبر سنواته الطويلة، ما خبره بالطول والعرض في مباريات هي بالعشرات حتى لا أقول المئات، تجعل منه اليوم حارسا ناضجا، مختمرا يستطيع بفعل ما تراكم أن يخبر مواقف كثيرة، وبخاصة أن يتجنب ما نصطلح عليه أخطاء المبتدئين·

وسأترك خالد فوهامي كحالة مستحدثة يتعمق فيها المدرب والناخب الوطني هنري ميشيل ليأخذ بشأنها قرارا، وأعود إلى ما كنت قد تطرقت إليه في مناسبات كثيرة أزمة حراس المرمى··

ما كان عليه أداء نادر لمياغري في مباراة فرنسا، وبخاصة عندما أسقطته إحدى إرسالاته للكرة في خطإ تسبب في هدف فرنسا الأول، وما كان عليه أداء طارق الجرموني من إرتعاش في مباراة السينغال جعل الكل يعود إلي بسؤال ضاغط وقلق·

متى يجد الفريق الوطني حارس مرمى يرفعه بأدائه وإنضباطه وإنتظامه إلى ما يمكن أن يصل إليه أي منتخب بوجود حارس مرمى كبير؟

والواقع أنني بالعودة إلى ما نتوفر عليه من حراس مرمى، من جرى تجريبهم في المنتخبات الوطنية ومن تنقلوا بين الأندية، أجد أن في تقارب المستويات وهي في حدود متوسطة، ما يفسر غياب العمل القاعدي الذي أصبح مفعوله قويا ، بما تغير في القوانين وفي أسلوب اللعب·

حراسنا كيف يجرى إنتقاؤهم؟ كيف يجرى تكوينهم؟ وكيف يجري تحضيرهم نفسيا، بدنيا، إستراتيجيا وتقنيا؟

سؤال إستحضرته قبل 12 سنة مع الحارس الدولي السابق عبد اللطيف لعلو، الذي كان قد دخل الجامعة مساعدا لرشيد الطوسي وهو يشرف على منتخب الشبان الذي سيفوز بكأس إفريقيا للأمم بالمغرب سنة 1997 وسيشارك بألمعية في كأس العالم بماليزيا·

كان لعلو وقتها قد أبرز كامل كفاءته وخبرته في تحضير كل من الحارسين طارق الجرموني الذي كان وقتها حارسا ناشئا بشباب المحمدية ، معطلا عن المنافسة بحكم وجود الحارس العراقي الذي كان يحمل على عهد هنري ميشيل صفة الدولية، وعبد الإله باكي الذي قادت الصدفة لعلو إلى إكتشافه ومن تم إلى عرضه على المغرب الفاسي··

حدس لعلو بما يملك من تراكمات إلى أن هناك بذرات لأزمة مرت على مستوى حراس المرمى، فأقدم على التحضير لمشروع إحداث مدرسة لتكوين حراس المرمى داخل المركز الوطني لكرة القدم··

عكف لعلو لأيام على التحضير لمشروعه، وقد وجدت في النسخة النهائية التي أطلعني عليها قبل أن يضعها أمام اللجنة المؤقتة لتسيير كرة القدم، ما كان بإمكانه لو تم تفعيل المشروع، أن يعفينا من هذه المشاهد البئيسة التي نعيشها، من هذه الأخطاء الفادحة التي يرتكبها حراس المرمى·

قصد لعلو في مشروعه أن يتلقى حراس مرمى الأندية الوطنية بين الفينة والأخرى تكوينا قاعديا، وأن يحظى حراس مرمى المنتخبات الوطنية بمتابعة دقيقة، وأن يشرع في تأهيل مدربين لحراس المرمى بإعمال منهجيات حديثة في التكوين والتأطير·

وقد تداولت اللجنة المؤقتة هذا المشروع ووافقت عليه في نص بلاغ من بلاغاتها، وصدرت الأوامر بإحداث مدرسة لتكوين حراس المرمى، إلا أنها كانت لغاية الأسف أوامر غير مسبوقة بالحرص على التنفيذ ما جعل المشروع يتبخر·

أما عن الإطار عبد اللطيف لعلو، فقد واصل إيمانه بحلمه وبمشروعه، فقد وجد في الإتحاد الإماراتي لكرة القدم تجاوبا وقابلية للتنفيذ··

هكذا نحن نهدي خيرنا لغيرنا، وأما حراس المرمى من هم موجودون ومن هم في مرحلة مخاض فلهم الله·